أخي الحبيب..
كم ستعيش في هذه الدنيا؟ ستين سنة.. ثمانين سنة.. مائة سنة.. ثم ماذا؟
ثم موت.. بعده جنان النعيم.. أو نار الجحيم وماء الحميم.
أخي الحبيب..
تيقن حق اليقين أن ملك الموت كما تعداك إلى غيرك فهو في الطريق إليك.
واعلم أن الحياة مهما امتدت وطالت، فإن مصيرها إلى الزوال وما هي إلا أعوام أو أيام أو لحظات، فتصبح وحيداً فريداً لا أحباب ولا أموال ولا أصحاب..
تخيل نفسك وقد نزل بك ملك الموت، وجاء الملك وجذب روحك من قدميك.
تذكر ظلمة القبر ووحدته، وضيقه ووحشته، وهول مطلعه.
تذكر هيئة الملكين وهما يقعدانك ويسألانك..
تذكر كيف يكون جسمك بعد الموت، تقطعت أوصالك، وتفتت عظامك، وبلي جسدك، وأصبحت قوتاً للديدان.
ثم ينفخ في الصور.. إنها صيحة العرض على الله، فتسمع الصوت، فيطير فؤادك، ويشيب رأسك، فتخرج مغبراً حافياً عارياً، قد رُجت الأرض، وبُست الجبال، وشخصت الأبصار لتلك الأهوال، وطارت الصحف، وقلق الخائف..
فكم من شيخ يقول واشيبتاه، وكم من كهل ينادي واخيبتاه، وكم من شاب يصيح واشباباه.
برزت النار فأحرقت، وزفرت النار غضباً فمزقت، وتقطعت الافئدة وتفرقت.. والأحداق قد سالت، والأعناق قد مالت، والالوان قد حالت، والمحن قد توالت..
تذكر مذلتك في ذلك اليوم، وانفرادك بخوفك، وأحزانك، وهمومك، وغمومك، وذنوبك.. وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً، وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنّى له الذكرى.. قد ملئت القلوب رعباً، وذهلت المرضعة عن رضيعها، وأسقطت الحامل حملها.. وتتبرأ حينها من بنيك، وأمك وأبيك، وصاحبتك وأخيك.
تذكر تلك المواقف والأهوال، يوم ينسى المرء كل عزيز وحبيب..
تذكر يوم توضع الموازين، وتطاير الصحف.. كم في كتابك من خلل.
تذكر يوم يقال لك: هيّا.. اعبر الصراط.
تذكر يوم ينادى باسمك بين الخلائق، يافلان بن فلان: هيّا إلى العرض على الله، فتقوم أنت ولا يقوم غيرك لأنك أنت المطلوب.
تذكر حينئذ ضعفك، وشدة خوفك، وانهيار أعصابك، وخفقان قلبك.. وقفت بين يدي الملك الحق المبين، الذي كنت تهرب منه، ويدعوك فتصد عنه.. وقفت وبيدك صحيفة، لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها، فتقرؤها بلسان كليل، وقلب كسير، قد عمك الحياء والخوف من الله.. فباي لسان تجيبه حين يسألك عن عمرك، وشبابك، وعملك، ومالك؟ وبأي قدم تقف غداً بين يديه؟ وبأي عين تنظر إليه؟ وبأي قلب تجيب عليه؟ ماذا تقول غداً له؟ عندما يقول لك يا عبدي: لماذا لم تجلني؟ لماذا لم تستح مني؟ لماذا لم تراقبني؟
عبدي: استخـفـفـت بنظري إليك، ألم أحسن إليك؟ ألم أنعم عليك؟
أخي الحبيب... أفلا تصبر على طاعة الله هذه الأيام القليلة، وهذه اللحظات السريعة لتفوز الفوز العظيم، وتتمتع بالنعيم المقيم؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب -أخي الحـبـيـب... قـف- للشيخ: إبراهيم الغامدي. باختصار.